الاثنين، 6 أغسطس 2018

أصل كلمة باقة

ليس كل ما يُذكر أو يتهيّء للبعض يكون صحيحا. فالبحث في أصول الكلمات كثيرا ما يكون علما ظنيا في غياب التوثيق والأدلة القاطعة. وقد اخترنا لكم اليوم مقتطفا عن أصل كلمة «باقة» للأستاذ الدكتور الفلسطيني فاروق مواسي.



«باقة» في معاجم اللغة القديمة تعني حزمة من البقول، والبقول هي نباتات عشبية يتغذى منها الإنسان كالبصل والخبيزة والعكّوب، وفي (لسان العرب)- ما ليس بشجر.
وظن الكثيرون أن اللفظة قد استخدمت في العربية، وفي لغتنا الحديثة، للدلالة على طاقة الزهر، وذلك نقلاً عن الفرنسية (bouquet)= بوكيه، بل هناك من يرددون اللفظ الفرنسي في إهداءاتهم الأزهار.

كثر المتحفظون الذين يخطّئوننا عندما نقول: باقة زهر، فهم يصرون على أن نقول: طاقة زهر، والطاقة في المعاجم هي الحزمة من الريحان،
وهناك من يقترح: "رُعْـلة" لأنها تعني إكليلاً من الآس والريحان. (تخيلوا لفظ هذه الكلمة مع جو الأزهار!).

أعجبني أن معجم (المنجد) منذ مطالع القرن الماضي قد شرح معنى باقة= الحزمة من الزهر أو البقل، بينما المعجم الحديث- (الوسيط) الذي يشرف عليه مجمع اللغة العربية في القاهرة لم يزد على أن الباقة= حزمة من البقل.

ثم إن محمد العدناني يقول في (معجم الأخطاء الشائعة)، ص 44:

"ويقولون باقة من الزهر، والصواب طاقة، والجمع طاقات، وأما الباقة فهي الحزمة من البقل- كما يرى الصحاح واللسان والتاج، ومع ذلك أقترح على مجامعنا الموافقة على باقة أيضًا".

بارك الله فيه وفي اقتراحه!



لكني وجدت في جولتي الأدبية أن اللفظة استخدمت في أدبنا في العصر العباسي، فهذا ابن الرومي يقول:

أبصرتُ باقة نرجس
في كفّ من أهواه غضّـه
فكأنها قَصَبُ الزُّمْرُدِ
أنبتتْ ذهبًا وفضّـــه

ويقول ابن المعتز:

وإذا بدتْ في خضرة في صفرة
فكأنها للحسنِ باقةُ نرجس

ويقول ابن حمديس:

وكأن الشرق منها ناشقٌ
باقةً من ياسمينٍ أو أقاحِ

ومن شعر أبي هلال العسكري:

كأن الثريّا فيه باقةُ سوسنٍ
وما حولها منهن طاقة نرجس

جمع بين اللفظتين: باقة وطاقة.

كذلك وجدت اللفظة "باقة" في (الأغاني)، وفي (محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء للراغب الأصفهاني، وفي (ديوان المعاني) لأبي هلال العسكري.

وعليه فلو كنت دارسًا للفرنسية وأسرارها لفحصت العلاقة بين لفظة (بوكيه) ولفظتنا العربية.

انتهى.



وطبعا هذا من حنكة الدكتور أنه لم يخض أبعد من ذلك لتخصصه في الأدب وتركًا للتكهن ولقلة المعلومات التاريخية التي بين يدينا. علما أن أصحاب المعاجم يجعلون كلمة باقة في جذر [بوق] وفيها بعض دلالة الكثرة والشجر.

كما جاء في اللسان:
والبُوقة: ضَرْب من الشجر دَقِيق شديد الالتواء. الليث: البُوقةُ شجرة من دِقّ الشجر شديدة الالتواء.
... والبَوْقُ والبُوق والبُوقةُ: الدُّفْعة المُنكَرة من المطر، وقد
انْباقَتْ. الأَصمعي: أَصابتْنا بُوقة منكرة وبُوقٌ وهي دُفعة من المطر
انْبَعَجَتْ ضَرْبةً؛ قال رؤبة:
من باكِر الوَسْميِّ نَضّاحِ البُوَقْ
ويقال: هي جمع بُوقةٍ مثل أَوقةٍ وأُوَقٍ، ويقال: أَصابهم بُوق من
المطر، وهو كثرته.
وأما إذا تتبعنا الكلمة الفرنسية فسنجد لها مصدران أساسيان:
- أنها من أصل أوروبي مثل bosquet أو ما قاربها وتعني الغابة الصغيرة أو حتى الحديقة [1].
- في حين يرى المستشرق الفرنسي Pihan أن الكلمة الفرنسية تنحدر من العربية باقة أو تصغيرها بويقة. وذلك كما في الصورة من كتابه.[2]

====
مصادر:
====
[1] مركز البحوث cnrtl
[2] معجم التأثيلي لكلمات اللغة الفرنسية لأنطوان بولين بيهان، ص73

تخريج ممثال لـ "بوكيه" بالغابة:
From Old French bochet, from bois (woods), from Medieval Latin boscus (grove), from Proto-Germanic *buskaz (bush, thicket), probably from Proto-Indo-European *bʰuH- (to grow). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق