لعل من أوهام الزبيدي رحمه الله في تاج العروس حمله لفظة "فِلجان" في بيت الجعدي بمعنى فِنجان، يقول:
" قَالَ الجَعْدِيّ يَصف الخَمْر:
أُلْقِيَ فِيهَا فِلْجَان من مِسْكِ دَا ** رِينَ وفِلْجٌ مِن فُلْفُلٍ ضَرِمِ
قلت: وَمن هُنَا يُؤْخَذ قَوْلهم للظَّرْف المُعَدِّ لشُرْبِ القَهْوَةِ وغيرَهَا (فِلْجَان) والعَامّة تَقول: فِنْجَان، وفِنْجَال، وَلَا يصحّانِ."
في حين أن المتقدمين إذا ذكروا البيت جاؤوا به للاستشهاد على لفظة "فِلج" فتكون لأجل ذلك محمولة على المثنى يقول الجوهري: "والفلج، بالكسر: مكيال معروف". وقال الفيروزآبادي: "وهما فِلْجانِ".
قال أبو عبيد القاسم (157 - 224 هـ) في غريب الحديث:
"فِي حَدِيث عمر حِين بعث حُذَيْفَة وَابْن حُنَيْف إِلَى السوَاد فَفَلَجَا الْجِزْيَة على أَهله. قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله: فَلَجَا يَعْنِي قسما الْجِزْيَة عَلَيْهِم. قَالَ: وأصل ذَلِك من الفِلْج وَهُوَ الْمِكْيَال الَّذِي يُقَال لَهُ الفالج قَالَ: وَأَصله سرياني يُقَال لَهُ بالسُّرْيَانيَّة: فالغا فَعرِّب فَقيل [لَهُ -] : فالج وفِلْج قَالَ الْجَعْدِي يصف الْخمر: [المنسرح]
اُلْقِيَ فِيهَا فِلْجانِ من مِسْك دا ... رِينَ وفلج من فلفل ضرم
يَعْنِي حرارة طعم الفلفل. وَإِنَّمَا سمى الْقِسْمَة بالفلج لِأَن خراجهم كَانَ طَعَاما. "
بل ولم يمر بي أنهم ذكروا فلجان بمعنى الكوز أو القدح، في حين أنهم ذكروا لفظة "فنجانة" في أقدم معاجم العربية، وقد جاء في معجم العين من القرن الثاني في باب سومل: "السَّوْملة: الــفنجانة الصغيرة."
وجاء عند الجوهري (ت 393هـ) في تاج اللغة: "الطِرْجِهالَةُ كالـفِنْجانة معروفة. وربَّما قالوا طِرْجِهارَةٌ بالراء. قال الأعشى: ولقد شربت الخمر أسقى في إناء الطرجهاره"
وورود لفظة فنجانة لم يغب عن الزبيدي، فقد روى ما جاء عند من سبقه، لكنه حملها على ما ارتأى من أصل معنى البيت ومادة فلج، قال في [سمل]:
"والسَّوْمَلَةُ: الْــفِنْجَانَةُ الصَّغِيرَةُ، كَمَا فِي المُحْكَمِ. وقالَ غَيرُه: هِيَ الفَيالِجَةُ الصَّغِيرَهُ، وهيَ الطَّرْجَهارَةُ أَيْضا. قلتُ: والفَيالِجَةُ تَعْرِيبُ بيالُه بالفارِسِيَّة، والــفِنْجانَةُ: لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ، أَصْلُها فِلْجانَة، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي ف ل ج."
وقد تكون فلجان لغة شاذة ارتكز عليها الزبيدي (1732 - 1790م) لجواز تحوّرها ولشيوعها في زمنه، فقد وُثّق تحوّر اللفظة العثمانية فنجان fincan إلى فلجان filcan. كما في معجم Mesgnien-Meninski اللاتيني التركي من عام 1680م.
وقد وافق ما ذهب إليه الزبيدي بعض المصنفات والمعاجم الحديثة لكن مجمع مصر رفضها وأقر فنجان وفنجال كما في الوسيط.
ومثله ما ذكره أحمد عمر في معجم الصواب اللغوي، فذكر أن الفلجال فصيحة مهملة وعلّق قائلا: "الوارد في المعاجم القديمة استعمال «الفلجان» لما يُشرب فيه القهوة، ورفض التاج «ف ل ج» استعمال الفنجان والفنجال؛ ونص على أنهما من استعمال العامة، بينما أورد محقق المعرّب «الفنجال» و «الفنجان»، وذكر أن الفنجان هو الأصل؛ مما يجيز استعمالها. وقد استعمل الجواليقي والفيروزآبادي «الفنجانة» أيضًا."
وتاج العروس حتما ليس من المعاجم القديمة وإن كان يستند عليها، فللزبيدي فيها تعليقات وإيرادات للمولد والمشهور من ألفاظ العامة، كمثل ما ذكرنا وهو يميّزها عن المنقول بتعليقاته كقوله: "قلت أو قال شيخي".
كما نقل الأزهري (270هـ) في تهذيب اللغة : "والجريبُ من الأَرْض نِصْفُ الفِنْجان، والجريب مِكْيالٌ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْفِزَة. وَقَالَ اللَّيْث: السَّوْمَلة: فيَالجة صَغِيرَة؛ وَيُقَال: فِنْجانَة صَغِيرة." كما نَقل عن الليث: "الفِجَّانة إناءٌ من صُفْر، وَجَمعهَا فجاجين. قَالَ: والفِجَّانُ مقدارٌ لأهل الشَّام فِي أَرَضِيهم. قلتُ: هُوَ مِقدارٌ للْمَاء إِذا قُسمَ بالفِجَّانِ، وَهُوَ معرّب، وَمِنْهُم يَقُول فِنجان، وَالْأول أفصحَ."
وذهب بعضهم أن فنجان لمساحة الأرض هو لغة في الفجّان وهي من الفدان. والفنجانة تطلق أيضا على الساعة المائية لأجل إناء الماء المثقوب الذي فيها ويسمى أيضا بالمنجانة وكلها من الفارسية پنگام أو بنگان بمعنى القدح أو الإناء. وكونه مقدار للماء يحتمل أنه من معنى الإناء الذي يقتسم به أو من استخدامه لقياس الوقت.
والظاهر أن الكلمة محدثة دخيلة، فأصحاب المعاجم المتقدمون لم يذكروا لها مادة تختص بها وإن كانوا يفسّرون بها الألفاظ وهو إقرار ضمني أن اللفظة عامية دخيلة. لكنهم صرّحوا بفارسيتها في أكثر من موضع، يقول الجواليقي (465-540 هـ) في المعرّب: "والفنجانة وَالْجمع فناجين فَارسي مُعرب وَلَا يُقَال فنجان وَلَا إنجان". فيبدو أنها اشتهرت بلفظ فنجانة بادئ الأمر عند أهل العراق وغيرهم. ويقول ابن بري (ت 582هـ) في تعليقه في التعريب والمعرب: "فناجين إِمَّا أَن يكون جمع فجانة لُغَة فِي فنجانة وَإِمَّا أَن يكون جمعا على غير واحده الْمُسْتَعْمل".
وفي المُغرب في ترتيب المعرب للمُطرِّزي (ت 610هـ): "الْفِنْجَانُ تَعْرِيب بنكان."
وللدكتور عبد الرحيم في تحقيق للمعرّب تلخيص جيد لمدار الكلمة، يقول:
"وهو بالفارسية بالباء والكاف الفارسيتين ويطلق على الكأس والقدح عموما كما يطلق على إناء من صفر يستخدم لتحديد الزمن وذلك أن هذا الإناء في قعره ثقب ويوضع على وجه الماء فيدخل فيه الماء قليلا قليلا حتى يمتلئ تماما وينغمس في الماء ومدة امتلاء الإناء يتوقف على حجم الثقب. ويقسم المزارعون الماء بهذه الطريقة فيكون نصيب بعضهم من الماء ما يجري منه في أثناء امتلاء الفنجان مرة أو مرتين حسب ما يتفقون عليه. قال الخوارزمي في مفاتيح العلوم (69) في فصل الألفاظ المستعملة في ديوان الماء: البَسْت: قياس تصالح عليه أهل مرو وهو مخرج للماء من ثقب طوله شعيرة وعرضه شعيرة. الفنكال هو عشرة أَبْسُت. اهـالكلمات المتفرّعة عن العربية في اللغات العربية |
قال عبد الرحيم: الفنكال هو الفنجان.
ويستخدم أهل الهند الفنجان لمعرفة الوقت.
والفنجان هو الأصل: أما الفجّان فبإدغام النون في الجيم كما قالوا في تُرُنْج أُتْرُج وفي زنبيل زبّيل.
أما الإنجان الذي ذكره المؤلّف فيبدو أن بنكان عرّب بالباء أيضا وقيل بنجان ثم حذفت العامة الباء من أول الكلمة ظنت أنها باء الجر كما فعلوا في زماورد وشفارج ومارستان. وقالوا إنجان بهمزة مجتلبة.
ويستعمل الفنجان الآن بمعنى الكوب يشرب فيه الشاي ويجمع على فناجين. وتقول العامة فنجال باللام.".
والفنجان في بعض العاميات الحديثة نوع من القبعات أو الحلي.
ردحذف